في منظومة التعليم الشامل، يُلاحظ تزايد الاهتمام بتبني استراتيجيات التعلم النشط، وهو توجه يلقى قبولاً متزايدًا بين المعلمين.لكن ما هو التعلم النشط و لماذا يتجه المعلمون إليه ؟!
في هذا المقال سنستعرض مفهوم التعلم النشط ونسلط الضوء على أهم ميزاته وفوائده وكيف يمكن أن يُحدث التعلم النشط تحولًا جذريًا في عمليات التعلم والتدريس، بالإضافة إلى استعراض بعض الاستراتيجيات المفيدة وتقديم أمثلة عملية لتسهيل التطبيق الفعّال له.
قائمة المحتويات
ما هو التعلم النشط ؟
التعلم النشط ( Active Learning ) هو نهج تعليمي يركز على دور الطالب كمشارك فعّال في عملية التعلم. يهدف إلى تحفيز الطلاب ليكونوا نشطين في بناء فهمهم الخاص للمواضيع واكتساب المهارات و المعرفة بدلاً من أن يكونوا مستقبلين غير نشطين للمعلومات ( كما هو الحال في أساليب التدريس التقليدية) .
تتطلب أساليب التعلم النشط من الطلبة أن يشاركوا في العملية التعليمية من خلال التفكير، والمناقشة، والتحليل ، والإبداع.
يظهر التعلم النشط بتنوع ويمكن تطبيقه في أي ميدان أو تخصص دراسي. إذ يتشارك الطلاب في هذا النوع من التعلم من خلال أنشطة متنوعة مثل الكتابة، والمناقشات، ولعب الأدوار، والمشاريع الصغيرة. يستغلون مهاراتهم وحواسهم، ويعتمدون على أساليب تفكيرهم المتنوعة.
أهمية التعلم النشط وفوائده
التعلم النشط يحمل أهمية كبيرة في عملية التعليم وفي تحقيق تجارب تعلم فعالة للطلاب. إليك بعض الجوانب المهمة لها :
- تعزيز المشاركة الفعالة: يشجع التعلم النشط على مشاركة الطلاب وتفاعلهم المستمر مع المحتوى الدراسي. يتيح لهم ذلك فرصة تجربة وتطبيق المفاهيم بشكل فعّال.
- تعزيز التعلم التعاوني: يشجع على التعلم المشترك والتفاعل بين الطلاب، مما يخلق بيئة تعلم تعاونية تعزز التفاعل وتبادل الأفكار.
- تطوير مهارات التفكير: يساعد الطلاب على تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي والإبداعي، حيث يتم تحفيزهم على استخدام عقولهم بشكل نشط في فهم ومعالجة المعلومات.
- تحفيز التعلم العميق: يعزز التعلم النشط فهم الطلاب للمفاهيم على مستوى أعمق، حيث يتم تشجيعهم على استخدام المعرفة بطرق متنوعة وتطبيقها في سياقات مختلفة.
- تعزيز الذاكرة والاسيتعاب: يساعد في تعزيز ذاكرة الطلاب واستيعاب المعلومات بشكل أفضل، حيث يتم تشجيعهم على تطبيق واستخدام المفاهيم بدلاً من مجرد حفظها.
لمعلوماتك
- تحسين مهارات التواصل: تطوير مهارات التواصل بين الطلاب والمعلم وبين الطلاب أنفسهم، سواء من خلال المناقشات الفعّالة أو العروض الشفوية.
- بناء الثقة بالنفس: يعزز التفكير النقدي للمتعلمين مما ينقلهم خارج منطقة الراحة الشخصية، ويشجعهم على المشاركة بأفكارهم وآرائهم. مع زيادة الراحة في التعبير، يكتسب المتعلمون حرية أكبر وقدرة متزايدة على التعبير عن أنفسهم، مما يُعزز ثقتهم بأنفسهم.
- تعزيز مهارات الحلول واتخاذ القرارات: تطوير مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات من خلال تجارب التفكير النشط.
استراتيجيات التعلم النشط
يوضح الشكل التالي بعض الإستراتيجيات المتبعة في التعلم النشط التي اختُبرت بالأدلة العلمية وأثبتت صلاحها، إلاّ أننا سنزيد تركيزنا في هذا المقال في بعض هذه الإستراتيجيات وكيفية الاستفادة منها في إدراك التعليم الشامل لجميع الأفراد.
أولًا: التعلم التعاوني والتعلم بالمشاركة
يدلّ مصطلح التعلم التعاوني على أسلوبِ تدريسٍ يعمل فيه التلاميذ في مجموعات صغيرة لزيادة تعلمهم وتعليم بعضهم بعضًا، والتعلم التعاوني قديم في التربية، ولكن يتزايد الاهتمام به في السنوات الأخيرة لما فيه من فوائد كثيرة للمتعلمين (Angelo, T. A., Cross, & K. P., 2010).
فبالتعلم التعاوني والتعلم بالمشاركة نتبادل المعرفة والخبرات مع غيرنا، ونتبادل الخبرات ونطور قدراتنا ومهاراتنا.
ومن مزايا هذا النوع من التعلم ما يلي:
- زيادة درجة الإتقان: إن تعاون المتعلمين على إنجاز المهام يُسهم إسهاما كبيرًا في زيادة درجة إتقانهم.
- زيادة سرعة الإنجاز: إن قيام المتعلمين بالعمل معًا يُسهم في سرعة إنجاز المهام، فالزمن الذي يحتاج إليه المتعلمون في إنجاز المهمة يقل في حالة توزيعها.
- اكتساب مهارات اجتماعية جديدة: كالقيادة والإدارة والتواصل مع الأشخاص.
- الأخلاق والمبادئ: يتعلم التلاميذ كثيرًا من الأخلاق، مثل: التعاون والعمل في مجموعة وبناء الثقة واتخاذ القرار وحسن الاستماع والتحدث والتزام الأدوار المحددة لكل منهم.
يمكن اتباع عدة طرق لتحقيق التعلم التعاوني والتعلم بالمشاركة، ومن بينها:
- التفاعل مع الآخرين تفاعلًا حسنًا، وتبادل الأفكار والآراء معهم بصدر رحب.
- تشجيع الآخرين على المشاركة والتفاعل، واحترام آرائهم وأفكارهم.
- العمل على تحديد أهداف مشتركة ووضع خطط عمل مشتركة لتحقيق هذه الأهداف.
- تقاسم المعرفة والخبرات والمهارات، وتقديم المساعدة والدعم للآخرين عند الحاجة.
- تهيئة بيئة تعليمية مشجعة ومحفزة، تساعد على تحفيز الفضول والاهتمام بالموضوعات المختلفة، وتشجع على التعلم النشط والتفاعلي.
- استخدام التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل تحقيق التعلم التعاوني والتعلم بالمشاركة، وتبادل المعرفة والخبرات مع الأشخاص بالإنترنت.
- تعزيز الحوار والنقاش والتفاعل الجيد بين الأفراد، وتشجيعهم على استماع بعضهم إلى بعض، وتقبل وجهات النظر المختلفة.
ثانيًا: الاستخدام الفعال للتقنية في التدريس الشامل
يعد استخدام التقنية في التدريس الشامل أمرًا مهمًّا في عصرنا الحالي، يتطلب تحديث المعرفة وتطوير الأساليب التعليمية استخدام الأدوات التقنية الحديثة؛ حيث يُسهم كثيرًا في إنشاء مواد تعليمية تفاعلية ومتاحة على الإنترنت، ويستطيع الطلاب الوصول إليها في أي وقت ومن أي مكان، فيسهل عليهم الوصول إلى المعلومات ويجعل التعلم أكثر مرونة.
ففي دراسة سعى بالرين (Pellerin, 2013) إلى معرفة أثر استخدام التقنية الرقمية في دعم عادات التعليم الشامل في فصول تدريس اللغة الفرنسية للعجم، وقد كانت عينة الدراسة مكونة من (12) اثني عشر معلمًا في برنامج اللغة الفرنسية مع طلابهم من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائي من مدرستين مختلفتين.
وقد توصلت الدراسة إلى أن استخدام التقنية ساعد المعلمين بتقديم عروض متعددة للمحتوى الذي يدعم حاجات المتعلمين المتنوعة، ودلّت على أن اتباع نهج الدمج الإلکتروني يعزز استخدام التقنيات الرقمية لدعم التعلم وتعزيزه، ولا يقتصر على الطلاب الذين يعانون مصاعبَ التعلم، بل لجميع الطلبة في الفصل الدراسي، ويُسهم هذا النهج في انتهاج ممارسات تعليمية شاملة تستند إلى مبادئ التصميم العامة المحددة في التصميم الشامل للتعلم التي تدعم التعلم لجميع المتعلمين (الذوادي و إبراهيم، 2022).
وإن لاستخدام التقنية أثر محمود في إدارة الصف الدراسي وتنظيم التعليم؛ إذ يمكن استخدام البرامج الإلكترونية لتنظيم الجدول الزمني وإدارة الواجبات المدرسية والتواصل مع الطلبة وأولياء الأمور تواصلًا أسرع وأكثر فعالية.
نصائح وإرشادات يمكن اتباعها لتحقيق استخدام التقنية النافع في التدريس الشامل:
- أولاً: يجب على المعلم التخطيط والتحضير جيدًا قبل البدء في استخدام التقنية، ويجب تحديد الأهداف التعليمية والمحتوى المُدرَّس، وتحضير الوسائل التقنية وضمان توافرها وحضورها.
- ثانياً: يجب اختيار الأدوات التقنية التي تناسب أسلوب التعليم الذي يتبعه المعلم، وتوافق المحتوى والأهداف التعليمية المراد تحقيقها
- ثالثاً: يجب على المعلم تدريب الطلبة على استخدام الأدوات التقنية استخدامًا صحيحًا، وتوضيح كيفية الاستفادة الكاملة منها.
- رابعاً: يجب تشجيع التفاعل بين الطلبة واستخدام التقنية في إيجاد أنشطة تفاعلية تشجع على التعلم والمشاركة النافعة.
- خامساً: يجب على المعلم متابعة تقدم الطلبة وتقويم التأثير الذي يحدث عند استخدام التقنية في التعليم. ويمكن ذلك بتقويم أداء الطلبة والملحوظات التي تُجمع من الأساتذة والطلبة.
إستراتيجيات إضافية لتحقيق الاستخدام النافع للتقنية في التدريس الشامل:
- التعلم عن بعد: يستطيع المدرسون تقديم دروس تفاعلية وفصول دراسية افتراضية باستخدام البرامج المختلفة المتاحة بالإنترنت، وهذا قد يكون مفيدًا لا سيما حين يتعذر الحضور إلى المدرسة.
- تحسين التقويم: يمكن استخدام البرامج التي تساعد في تحليل البيانات وتوفير الإحصاءات والتقارير المفيدة للتقويم.
- تطبيقات الأجهزة المحمولة: الطلبة يمتلكون اليوم الكثير من الأجهزة الذكية والأجهزة اللوحية، فيمكن استخدام هذه الأدوات في توفير تجارب التعليم النافعة؛ إذ تُستعمل الهواتف الذكية في تحميل التطبيقات التعليمية والألعاب التعليمية والبرامج التعليمية الأخرى التي تدعم التعلم.
ثالثًا: الربط بين المناهج الدراسية والحياة اليومية للطلاب
لقد تغيرت فلسفة العلم من كون «العلم للمعرفة» إلى كون «العلم للحياة ولرفاهية الإنسان»، فينبغى للمسؤولين عن تصميم المناهج الدراسية وبنائها أن يكونوا على وعي بمضمون الفلسفة الحديثة للعلم وأن يكون التصميم والبناء للمناهج الدراسية وفقًا لها.
وبناءً على ذلك ينبغى أن يشمل المحتوى العلمي للمنهج أجزاءً نظرية تعقبها تطبيقات وأمثلة تشتمل على مجموعة من المواقف والمشكلات الحياتية التى يواجهها الطلبة في أثناء تفاعلهم مع بيئتهم و حياتهم حتى يشعر الطلبة بجدوى ما يتعلمونه من جهة، وهذا يوسع من فهمهم للأجزاء النظرية من جهة أخرى.
على سبيل المثال، دراسة موضوع العمليات الرياضية ينبغى أن تكون تطبيقاته على مواقف البيع والشراء والمكسب.
في الوقت الحالي يحتاج الطلبة إلى اكتساب المهارات اللازمة لمعالجة مشكلات الحياة، وتطوير أنفسهم بما يساعدهم في المستقبل.
ويمكن استخدام الأدوات التقنية المتاحة لتقديم هذه الدروس تقديمًا مشوقًا وتفاعليًّا للطلاب، على سبيل المثال استخدام الألعاب التعليمية الرقمية والتفاعلية. كذلك يمكن استخدام الشبكات الاجتماعية والمنصات التعليمية بالإنترنت من أجل تحسين التعلم والتواصل بين الطلبة والمعلمين. من المهم أيضا أن يكون المنهج الدراسي محدثًا باستمرار ليُناسب التقدم التقني الحديث وتطورات المجتمع.
عوائق تطبيق استراتيجيات التعلم النشط
إن تطبيق استراتيجيات التعلم النشط يمثل تحديًا مهمًا في مجال التعليم، ويواجه المعلمون والمتعلمون العديد من العوائق التي قد تؤثر على فعالية هذه الاستراتيجيات. ومنها ما يأتي :
- عدم ملائمة الغرف الصفية لتطبيق استراتيجيات التعلم النشط.
- زيادة أعداد الطلبة في الفصل الواحد.
- عدم توفر الأدوات والتجهيزات والوسائل التعليمية والتقنيات المساعدة.
- عدم توافق المناهج مع استراتيجيات التعلم النشط.
- قلق المعلمين من تجربة طرق وأساليب دراسية جديدة.
- ضيق الوقت في الحصص الدراسية وعدم القدرة على توفير جزء منه لتطبيق استراتيجيات التعلم النشط.
- الخوف من الفوضى فقدان السيطرة على الطلاب في الفصل.
- الخوف من نقد الآخرين.
- زيادة الأعباء الإدارية على المعلمين.
كيف نتغلب على عوائق تطبيق استراتيجيات التعلم النشط ؟
يمكن التغلب على عوائق تطبيق استراتيجيات التعلم النشط من خلال اتخاذ عدة إجراءات:
- توفير التدريب وورش العمل: توفير التدريب اللازم للمعلمين حول كيفية تصميم وتنفيذ استراتيجيات التعلم النشط. كذلك يمكن عقد ورش العمل وجلسات التدريب لتعزيز فهم المعلمين وتطوير مهاراتهم في هذا السياق.
- إدارة الوقت والصف بشكل فعال: يحتاج المعلمون إلى إدارة الصف والوقت بشكل فعّال لتحقيق توازن بين تطبيق استراتيجيات التعلم النشط وضمان تغطية المحتوى الدراسي بشكل جيد.
- استخدام التكنولوجيا بشكل فعال: يمكن أن تلعب التكنولوجيا دورًا كبيرًا في تعزيز التفاعل والمشاركة الطلابية. يجب توفير التدريب اللازم للمعلمين لفهم واستخدام التكنولوجيا بشكل فعّال في الفصل.
- تحفيز الطلاب على المشاركة: يجب تشجيع الطلاب على المشاركة بفعالية في الأنشطة التعليمية. إنشاء بيئة تحفيزية تشمل التحفيز والتشويق يمكن أن تسهم في تعزيز المشاركة النشطة.
- استخدام وسائل تعليمية متنوعة: تقديم وسائل تعليمية متنوعة تلبي احتياجات مختلف أنماط التعلم يمكن أن يعزز فهم الطلاب ومشاركتهم بشكل أفضل.
في النهاية، من خلال تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في التعليم، يمكننا خلق بيئة تعليمية تعزز الوصول الشامل. من خلال تحفيز المشاركة الفعّالة وتعزيز تفاعل الطلاب مع المحتوى التعليمي، حيث يتم توفير فرص متساوية للتعلم لكافة الطلاب بغض النظر عن قدراتهم أو احتياجاتهم الفردية.
وبمشاركة جميع أفراد المجتمع في عملية التعلم، يُفتح المجال لظهور أجيال متعلمة وملهمة، مما يسهم في تعزيز التنمية الشاملة ورفع مستوى الفهم والتفاعل في المجتمع. بالتالي، تصبح فوائد تكامل استراتيجيات التعلم النشط أكثر تأثيرًا على تحسين جودة الحياة والمجتمع بأسره.
لمعرفة المزيد عن التعلم النشط ودوره في تعزيز الوصول الشامل في التعليم ننصحك بقراءة كتاب ” نفاذ بلا عوائق ” .
إن قراءة هذا الكتاب ستمكنك من فهم عميق وتطبيق عملي لمفهوم التصميم الشامل في مجال التعليم.