تجارب دولية في تحقيق الوصول الشامل في التعليم

تجارب دولية لتحقيق الوصول الشامل في التعليم

يشكل التعليم الشامل أحد أهم ركائز التنمية المستدامة في المجتمعات الحديثة، حيث يسعى العديد من الدول إلى تحقيق وصولٍ شامل للتعليم لجميع فئات المجتمع. وتعكس تجارب الوصول الشامل في التعليم الجهود العالمية المبذولة لضمان فرص التعلم المتساوية لكافة الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية. في هذا السياق، نستعرض في هذه المقالة دراسات ونماذج ناجحة لتجارب دولية في تحقيق الوصول الشامل في التعليم.

من خلال استكشاف هذه التجارب الدولية، نطمح إلى فهم أفضل للتحولات التي يمر بها قطاع التعليم على مستوى العالم، وكيف يمكن أن تكون هذه التجارب قدوة للمزيد من الدول في بذل المزيد من الجهد لضمان تعليم شامل وفعّال للجميع.

قائمة المحتويات

تجارب دولية في تحقيق الوصول الشامل في التعليم

يمكن القول أن تحقيق الوصول الشامل في التعليم يتطلب جهدًا متواصلًا وحثيثًا، و يعد هدفًا رئيسًا للعديد من الدول والمنظمات الدولية.ولا شك أن تحقيق الوصول الشامل في التعليم يؤثر تأثيرًا حسنًا في التنمية المستدامة للمجتمعات وتحسين المعيشة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تتبع العديد من الدول بأنحاء العالم سياسات وممارسات فعالة؛ إذ تتميز بعض هذه التجارب بالنجاح والفعالية في تحقيق هذا الهدف.

ولذلك نستعرض هنا بعض النماذج المثيرة للاهتمام لتجارب دولية في تحقيق الوصول الشامل:

دولــة اليــابــان

تتميز دولة اليابان بتجربتها الناجحة في تحقيق الوصول الشامل في التعليم؛ إذ ألغت نظام الامتحانات الوطنية الذي يعتمد عليه الكثير من الدول في اختيار الطلبة لالتحاقهم بالجامعات.

وتعمل اليابان أيضًا على تطوير برامج تعليمية تعزز من قدرات الطلبة في المجالات التقنية، وتتيح لهم فرصًا متساوية لتحقيق أحلامهم وتطوير مهاراتهم.

الدول الإسكندنافية

من التجارب الدولية في تحقيق الوصول الشامل في التعليم هي تجربة الدول الإسكندنافية؛ إذ تعَدّ هذه الدول من أفضل الدول في العالم من حيث جودة التعليم والوصول الشامل للجميع. تتميز هذه الدول بأنظمة تعليمية تركز في الجودة والمساواة والتنوع والتعليم المستمر. و تضم هذه الدول المجتمعات المتنوعة التي يُمهَّد التعليم لجميع فئاتها بدءًا من الطفولة المبكرة وحتى التعليم العالي.

ومن السياسات الناجحة المتبعة في هذه الدول توفير التعليم العام المجاني والإلزامي لجميع الطلبة، وتوفير الدعم المالي للعائلات التي تحتاج إليه.  وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه الدول على التعليم الجماعي الذي يشجع على التفاعل الاجتماعي ويزيد التفاعل بين الطلبة والمعلمين.

وكذلك فالدول الإسكندنافية تعتمد على تقنيات التعليم الحديثة؛ إذ توفر الأجهزة اللوحية والحواسيب الشخصية والإنترنت توفيرًا واسعًا، ممَا يسهل الوصول إلى المواد التعليمية على الإنترنت ويُحسَّن التعلم عن بُعد.

علاوة على ذلك، تشجع هذه الدول على التعلم مدى الحياة وتوفر أيضًا فرص التعلم المستمر للأفراد، سواء بالتعليم العالي أم بالدورات التدريبية المهنية.

فنــلنــدا

فنلندا من الدول الإسكندنافية إلا أنها من الدول الرائدة في مجال تحقيق التعليم الشامل؛ إذ تقدمت فنلندا بنهج مختلف تمامًا عما تتبعه دولٌ أخرى، ففي فنلندا يتلقى الطلبة نوعًا مختلفًا من التعليم يركز على التفكير الناقد والتعلم الذاتي، كذلك تشجع المدارس في فنلندا الابتكار والإبداع والتعلم بالتجربة، ويُعزز دور المعلم في مساعدة الطلبة على تحقيق أقصى استفادة من التعليم.

ويعتمد نظام التعليم في فنلندا أيضًا على تطوير مهارات الحياة العملية وتحسين القدرة على التعلم الذاتي والتحليل والتفكير النقدي، كما توفر الحكومة الفنلندية تعليمًا مجانيًّا لجميع الطلبة، بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية.

ويتميز النظام التعليمي الفنلندي بمرونته وتوجيهه لسدّ حاجات الطلبة؛ إذ يستطيع الطلاب اختيار مساراتهم الدراسية وفقًا لاهتماماتهم ومواهبهم. ويتضمن النظام التعليمي في فنلندا أيضًا توفير الدعم اللازم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة التي يشملها تحديدًا قانون حقوق الطلبة.

إضافةً إلى ذلك، تستثمر الحكومة الفنلندية استثمارًا كبيرًا في تحسين بنية التعليم وتطوير الإمكانات التقنية لتعزيز التعليم عن بعد وتوفير الوصول الشامل للتعليم. وقد أظهرت نتائج التقارير الدولية أن النظام التعليمي في فنلندا يعد من أفضل الأنظمة التعليمية في العالم، وله معدلات عالية من النجاح الأكاديمي والتميز في مجالات العلوم والرياضيات.

المملكة المتحدة

من بين الدول الأخرى التي اتخذت خطوات نحو تحقيق الوصول الشامل في التعليم، تُذكر المملكة المتحدة؛ فقد أُصدر قانون سنة 1996 يلزم جميع المدارس الحكومية والخاصة بتوفير التعليم المناسب لطلاب ذوي الإعاقة. ويشمل هذا القانون توفير الموارد والدعم اللازمين لسدّ حاجات هذه الفئة من الطلبة، ومن ذلك الدعم التعليمي والتأهيلي والنفسي والاجتماعي.

جنوب أفريقيا

وهذه تجربة جنوب إفريقيا في تحقيق الوصول الشامل في التعليم؛ إذ أُنشئ نظام تعليمي شامل يتضمن برامجَ لمكافحة الفقر والعنف والأمراض، وتوفير التعليم اللازم للأطفال الذين يعيشون في مناطق نائية ومعزولة.

تجارب دولية لتحقيق الوصول الشامل

أهمية دراسات الحالة وتحليل المنظومات الاجتماعية والحكومية

تعد دراسات الحالة في مجال تحليل المنظومات الاجتماعية والحكومية وتحسينها من أهم الدراسات التي تُجرى في العالم. 

تتنوع دراسات الحالة المتعلقة بتحليل منظومات الوصول الشامل بين الدول المتقدمة والنامية، وتشمل تحليل السياسات الحكومية والتدابير الواردة في القوانين وكيفية تطبيقها على أرض الواقع.

تُسهم دراسات الحالة في تعزيز الوعي بأهمية تحسين الوصول الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة وتحقيق المساواة في الفرص بينهم وبين غيرهم في المجتمع. وتوفر هذه الدراسات الأدلة اللازمة لاتخاذ القرارات الصائبة وتحديد الخطط والبرامج المناسبة لتحسين المنظومات الحكومية والاجتماعي وتطويرها.

إضافةً إلى ذلك أن دراسات الحالة فرصة للتعلم من تجارب الدول الأخرى والاستفادة من الأفكار والآراء الجيدة المتعلقة بتحسين المنظومات الحكومية والاجتماعية. ويمكن استخدام هذه الأفكار والأعراف في تطوير السياسات والبرامج الحكومية وتحسين وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.

ففي دراسة بحثية كانت غايتها تقييم المشكلات المعوِّقة لتنفيذ التعليم الشامل وإبرازها – ولا سيما في البلدان النامية – أوضحت أن هذه البلدان متأخرة عن تحقيق التعليم الشامل لمجموعة واسعة من العقبات. وبمراجعة الدراسات عن العقبات التي عُولجت في تنفيذ التعليم الشامل توصلت إلى عدد من النتائج كشفت أن ضعف الموقف المجتمعي في هذه البلدان تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، مع البنية التحتية غير الملائمة، وسوء التمويل، نتج عنه انخفاض سياسات الدمج في الدول النامية. لذلك توصي الدراسة بأن تنظّم الحكومات برامجَ تدريبية للمعلمين ومديري المدارس على أفضل السبل لممارسة التعليم الشامل في البيئة التعليمية (Sijuola, Rasaq , & Jelena, 2022).

دراسات سابقة عن منظومات الوصول الشامل في العالم

 وسنستعرض هنا بعض النماذج من دراسات الحالة في عينة من الدول والأقاليم حول العالم:

دراسة «تحسين الوصول الشامل لذوي الإعاقة في الهند»

 والتي أجراها البنك الدولي عام 2019 والتي تناولت العقبات التي تواجه ذوي الإعاقة في الهند والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين وصولهم إلى الخدمات العامة والتعليم والعمل.

 توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات، ومنها:
  • يوجد عقبات عديدة تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في الهند، من بينها: نقص الخدمات الصحية والتأهيلية المتاحة لهم، والتمييز والعنصرية المتبادلة، ونقص فرص العمل، وصعوبة الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.
  • ضرورة وضع سياسات حكومية وتشريعات تضمن حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير فرص متساوية لهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
  • تعزيز الوعي المجتمعي عن قضايا الإعاقة والاحتياجات الخاصة وتشجيع التعايش المحمود مع هذه الفئة من المجتمع.
  • تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية لذوي الإعاقة، ومن ذلك النقل والتوجيه والتدريب والتأهيل والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.
  • يجب أن توضع برامج تدريبية لإكساب ذوي الاحتياجات الخاصة المهارات اللازمة للحصول على فرص العمل، وتشجيع أصحاب العمل على توظيفهم.
  • تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والمؤسسات المدنية والمجتمع المحلي في سبيل توفير الدعم والخدمات لذوي الإعاقة.

دراسة «تحسين وصول ذوي الإعاقة إلى الخدمات الصحية في إفريقيا جنوب الصحراء»

والتي أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2018 والتي تحدثت عن التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة في الحصول على الرعاية الصحية في المنطقة والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين الوضع.

 توصلت الدراسة إلى عدة  النتائج  ومنها:

  •  أنه أمام توفير الخدمات الصحية لذوي الإعاقة عقبات كثيرة، و من بين ذلك قصور المعلومات والموارد المناسبة، وغياب البنية التحتية الملائمة، والتمييز والتحيز المجتمعي.
  •  دلّت الدراسة على جهد مبذول لتحسين الوضع، مثل الإرشاد والتثقيف وتوفير التقنية المساعِدة والتكيف مع الإعاقة، وتدريب الكوادر الصحية.
  • لا بد أن تتعاون المؤسسات والمنظمات المَعنيّة، وأن تتوفر الموارد والبنية التحتية.
  • تعزيز المشاركة المجتمعية وتوعية المجتمع بحقوق ذوي الإعاقة؛ لتحسين وصولهم إلى الخدمات الصحية في إفريقيا جنوب الصحراء.

دراسة « توفير الوصول الشامل لذوي الإعاقة في الاتحاد الأوربّي »

وكان هدف الدراسة تحليل السياسات الحكومية والإجراءات المتخذة لتحسين الوضع الحالي وتحديد المشكلات والعقبات الحالية.

 توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج  ومن بينها : 

  • وضع العديد من السياسات والإجراءات في الاتحاد الأوربّي لتحسين وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الخدمات الحكومية والمجتمعية.
  • تشكو بعض الدول الأوربّية تأخرًا في تنفيذ تلك السياسات والإجراءات، فيصعب وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الخدمات.
  • لا بد أن يتم التعاون والتنسيق بين الدول الأوربّية لتبادل المعرفة والتجارب في تحسين وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الخدمات.
  • من العقبات التي تواجه تحسين وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الخدمات في الاتحاد الأوربّي غياب معايير موحدة للتقييم والتدقيق في الجهد المبذول، وكذلك غياب التمويل الكافي للسياسات والإجراءات ذات الصلة  .

مما لا شك فيه أن  تحقيق الوصول الشامل في التعليم يتطلب جهودًا مستمرة و يكمن التحدي في ترجمة التجارب الدولية لتحقيق الوصول الشامل إلى سياقات وواقع كل دولة، و لا بد من تعاون الجهود المحلية والدولية لتحقيق هذا الهدف.

إن التفاعل مع الدراسات والتجارب الدولية في ميدان التعليم أمرًا حيويًا للمساهمة في بناء مجتمعات تعليمية أكثر شمولًا وتطورًا. فالاستفادة من الأفكار والتقنيات التي أثبتت نجاحها في سياقات أخرى تسهم في تحسين نوعية التعليم وتوفير فرص متساوية لجميع الأفراد .

في الختام، يظهر أن الوصول الشامل في التعليم ليس مجرد هدف وطني، ولكنه ركيزة أساسية للتنمية المستدامة  وتحسين جودة حياة الأفراد على المستوى العالمي. من خلال استلهامنا من التجارب والدراسات الدولية، يمكننا أن نسعى جميعًا نحو تحقيق رؤية عالمية تركز على مبدأ “ التعليم حق للجميع “، وتضمن أن أبواب المعرفة والفرص مفتوحة للجميع، بغض النظر عن ظروفهم أو مواقعهم.

Picture of Amira Shokry

Amira Shokry

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شارك المقال

إقرأ أيضا